المبيعات والمراجعات... لماذا تختلف؟ هل هي دليل لخطر أكبر؟

لتنتاقش معًا في هذا الموضوع الذي يبدو لغز محير

تماشى مجتمع ألعاب الفيديو مع عادة ليس له فيها أي تحكم، بل زلقت أمامها مصداقية التقييم الاحترافي للألعاب ودفعت إلى هبوط سؤال قاسي وحساس..ما الهدف من المراجعات في النهاية؟ وهل خلافها مع النجاح دليل على شبهتها؟

سأسعى في هذه المقالة إلى مناقشة الأمور العديدة المتعلقة باختلافات المراجعات وانعكاسها على المبيعات، لأكون صادقًا مع نفسي أولًا كمراجع ثم أعمل معكم لنزيل الغبار عن فكرة المراجعة بالأصل، ونفهم الحبل الهش بينها وبين ميزة "الشعبية" ولعنة "الموضة" الذي أشعر أنه يومًا ما قد يتهاوى وتسقط منه معايير سنأسف على غيابها.. هذا إذا ما كانت سقطت بالفعل قبل أن ننتبه..

هل يا ترى نسينا ما هي المراجعة بالأصل؟ فأرى أن الكثير من الناس ينسى الطبيعة الانتقادية وراء مراجعة، لننسى قليلًا أمر الألعاب هنا وأمر المبيعات، ولنقول أن المراجعة هي بتعريفها العام عبارة عن تقييم لمنتج، هذا التقييم مهما ارتفع أو انخفض فهو ليس فقط تعبير عن رأي من يقوم بالتقييم وإما تعبير عن مقارنة الميزات والسلبيات الموجودة فيه، وجمع عوامل أخرى يجب أن لا تتغير (على الأقل المعايير الأساسية) بتغير الزمن فقط لأجل الموضة الشائعة.

ماذا يعني هذا؟ لنتذكر لعبة حازت على التقييم الأقصى -أي 10 من 10- ومهما كانت هوية هذه اللعبة، لنقل أنها Skyrim ... فتخيل لو أن المراجعين وقتها قاموا بتقييم اللعبة بناء على الموضعة الأكثر شيوعًا في ألعاب الفيديو، إن لم يكن الأربيجي فهذه اللعبة ستكون بعيدة كل البعد عن التقييم الكامل، وبالتالي حدث خلل هنا لأن نزاهة معايير التقييم الثابتة قد اختلت وبات الموضوع تسخيف أو مبالغة في حق المنتج الترفيهي.

نعم أعلم ماذا يدور في ذهنك، هذا بالفعل يحدث كثيرًا وهو ربما عذر واضح لحدوث تشوش بالنسبة للاعبين، عندما يكون هنالك اختلاف بين مبيعات لعبة مرتفعة وتقييمات منخفضة أو العكس، وهذا ما يؤسفني للغاية، لعل ضياع معايير أخلاقية كثيرة في هذا الزمن واختلاطها مع الفهم الجاهل لمنطلق الانفتاح والتحضر ساء بنا إلى ما نعيشه اليوم..وأصبح أسفل هذا التحضر الفاني حضارة مخفية تحت الأرض عنوانها جمع المال وهدفها "بأي وسيلة" ولو كانت خارج النزاهة..

ببساطة.. أنا كمراجع..من المفترض أن لا أعطي اهتمام لشعبية اللعبة القادمة مهما كانت، بل حتى ولو كانت غالية على قلبي يبقى واجب على عاتقي أن انصفها في التقييم وأعطيها كامل ما تستحقه حتى ولو كانت الكمولية هنا يعني الانقاص! وحتى لو باعت مئات الملايين من النسخ، فقد وصلنا إلى زمن لا تتزامن الجودة فيه مع ممشى التيار.

لكن بالنسبة إلى اللاعب، فسوف يشتري اللعبة بناء على أسباب كثيرة، لأحيانٍ كثيرة لا ترتبط بالمراجعة، بل لأنه معجب كبير بسلسلة ما أو مطور وشركة ما، ويريد أن يكون مساند لنجاحها وإكمالها أو ببساطة يجب عليه شرائها لأن عصبة الأصدقاء جميعًا سوف يعتمدوا عليها لسهرة اليوم.. وبهذه الحالة يتشكل جسر طويل بين المبيعات والمراجعات، وللأسف بعض المراجعين يحاول قصه لجذب محبة الناس أو ببساطة لأنه تهاوى مع نزاهته وواجبه الحيادي.. وعند خلط كل هذا تبدأ دوامة اتهامات وغشاوات قد يضيع بينها المراجع النظيف والمعايير الحقيقية للتقييم.

إذًا ها قد وصلنا إلى نقطة مهمة من النقاط الفاصلة في تحديد فارق الاختلاف بين المبيعات والمراجعات..كيف حدث ذلك؟ حدث نتيجة الفارق الذي نمى وازداد قوة مع السنوات، وأثناء نموه اختبئ وراء جدران جعلته غير مرئي للبعض، إن لم يكن واضحًا في ألعاب الفيديو فهو شديد الوضوح مع صناعة الأفلام، كثير وكثير من الأحيان نرى أن تقييم الفيلم لا يبلغ 4 أو 5 من 10 لكن مبيعاته اجتاحت الأرقام القياسية، والصورة الأشد ألمًا في عالم الأفلام، هو أن نرى تماشي التقييمات مع تدني الذوق العام، فيؤسفني أن أرى أفلام لا تستحق الجلوس لأجلها أكثر من بضعة دقائق، تُكسّر أرقام عالمية هائلة في المبيعات والشعبية بل ولا يحق لك أن تقول "لا" ضدها..وكأننا دخلنا في عولمة ديكتاتورية لما هو صحيح أو لا حسب آراء لعقول ذكية في شرها وتلعب بالمجتمعات من وراء الكواليس لاغتيال النزاهة العامة وأي مشتقات لها.. حسنًا أعلم أنني ابتعدت قليلًا لكنني أشعر أن كل هذه الأمور مرتبطة بعضها وتتفاقم لتصل إلى مستويات أخرى تلتمس أمور جديدة كل يوم.

صدقوني عندما أقول أن الموضوع هنا أكبر من انزعاج لفيلم فاشل أو لعبة رديئة حازت على شعبية هائلة، لأننا عندما نضع هذه الأحداث الحالية تحت مجهر المستقبل، سوف نكتشف كيف أنها تؤثر بشكل كبير على هبوط الزوق العام للمجتمعات وتقبلهم بالتدريج أنواع هابطة للغاية من الفن، ولم يكفينا على ما يبدو أن نرى الموسيقى أول ضحية من ضحايا التقييمات المشوهة.. بل سرعان ما ستصل الأمور إلى ما ترتديه من ملابس!

لا يأتي من رياحٍ عاصفةٍ سريعة سوى غبار وتحطيم، فهل يا ترى دمرت رياح الموضة واجب النزاهة في التقييم؟ أيعني هذا أن المراجع أحيانًا لا يتقصد طعن نزاهته بل بالفعل نبعُها ملطخ بألوان من الفوضى الملموسة؟

كفانا إذًا توجيه تركيز انتقادنا نحو الأمور الخاطئة.. نحو "هذا المراجع خاطئ لأن اللعبة باعت ملايين النسخ، ولنسعى إلى توضيح معالم المشكلة قبل التفكير بحلها، لأن الإدراك جوهر لا يَمرُ قبله إنسان، فليس جميع من عاكست مراجعته رأي المجتمع والجمهور هو مرتشي أو متذوق للدناسة، فربما هو مقيد بسلاسل عفنة ذات رائحة جميلة وجذابة.. أو لعله -للمفاجئة- محق في رأيه!

ثم إن هذا الفراغ بين التقييمات ونسبة النجاح لا يحدث دائمًا وبهذه الصورة الكبيرة، بل استغربت من انتشار هذا المعتقد بعد المرور بجولة سريعة على المواقع العالمية ومجتمع تعليقاتها..كيف يقال هذا وفي أحيان كثيرة تتوافق تقييمات اللعبة مع محبة الجمهور لها؟

أعتقد أن الأقلية هنا رسمت لنفسها تأثير أكبر، فيبدو أن تلك الألعاب التي تكرر نفسها كل سنة حازت في بعض الأحيان على تقييمات عالية من المراجعين، لأسباب تحدثنا عنها اليوم، ولكن لم يغفرها القارئ..وتعلمون ماذا؟ هذا حقه الكامل بل وأشجعه على ذلك.

لم أكن الوحيد الذي امتلك رأي مشابه حول هذا الموضوع المعقد، حيث يقول زميلي مفضل تفسير أوضح لبعض ما أحاول قوله :

أعتقد أن اللاعبين يغفرون بعض من النواقص التقليدية في الألعاب التي يقف عندها المراجع، إذا كان جوهر اللعبة ممتع. مع الزيادة المتضخمة لشعبية البث المباشر يتمكن اللاعبون من رؤية آلية اللعبة وثيمتها، وإذا كانت تتطابق مع زوقهم حتى ولو كانت مليئة بالمشاكل وغير مكتملة. إن Days Gone مثال مباشر على ذلك، فقد اتفق معظم المراجعون أنها لعبة زومبي عادية، أما اللاعبون فقد اعتبروها لعبة تتيح قتل الزومبي بطرق ابتكارية وقيادة دراجة رائعة.

لعبة PUBG هي مثال أخر شهير على ذلك، فعندما صدرت اللعبة كانت عبارة عن فوضى من المشاكل وغير مكتملة في التطوير، إلا أن هذا لم يمنع الملايين والملايين من اللاعبين للدخول إليها فقد لأن جوهرها ممتع.. وأحيانًا عندما يصل هذا الشعور للاعب، لا حاجة لأي شيء أخر

من الواضح أن الموضوع معقد أكثر مما يبدو، وكلما حاولت كتابة كلمات أكثر حوله كلما انتباني شعور بواجب التوقف قبل أن أفسد هذه المقالة.. من الأجدر أن أترك الفصل التالي من هذه المقالة لكم..

ما هو رأيكم بمراجعات اليوم؟ وهل تشعرون أنها هبطت نحو التيار أم من خالف يحق له الاختلاف عن المبيعات؟ وهل توافقوني الرأي بأنها قد تكون مثال للانجراف نحو تيار خطير؟